اقتصاد محمد إحسان الخويلدي (جمعية رجال الأعمال الشبان): هذه أسرار خطورة الوضع في ميناء جرجيس
آن الأوان ليرفع الجيل القديم أياديهم عن الشباب
على الدولة أن تخلق المعادلة بين المستثمر الأجنبي والتونسي
لابدّ من تفعيل القوانين والحدّ من مركزية العاصمة والولاية
أصحاب الشهائد العليا المعطّلين دخلوا في اعتصام بعد أن ملّوا الحلول الترقيعيّة
شباب جرجيس أعطى الدرس أيّام الثورة الليبية
ضيفنا شابّ تونسي مثقّف، حائز على ديبلوم لوجيستيكي في التجارة العالمية من الجامعة الأمريكيّة، ناضل كثيرا لإثبات ذاته في عالم المال والأعمال رغم الصّعاب التي اعترضت طريقه كعديد المستمثرين، ورغم انّ هذا الرّجل المتخلّق بدأ في تسلّق سلّم النجاحات رويدا رويدا، الاّ انّ قلبه مازال ينزف ألما على الوضع الذي يعيشه شباب جرجيس في الميناء والمنطقة الحرّة بعےاصمة الزياتين، لذلك استضفاه في «أخبار الجمهورية» في حوار مطوّل نترك لكم فرصة متابعته في هذه المساحة:
لو تقدّم نفسك لقراء «أخبار الجمهورية»؟
ـ محمد إحسان الخويلدي شابّ تونسي أصيل مدينة جرجيس، حائز على الأستاذيّة من الجامعة التونسية، قبل ان أواصل دراستي في أمريكا لمدّة 5 سنوات كلّلت بحصولي على «ديبلوم لوجيستيكي» في التجارة العالمية ومن ثمّة عدت سنة 2005 الى أرض الوطن وانطلقت في تجسيد ما درسته وتعلّمته في الولايات المتحدة الأمريكية على أرض الواقع عبر انجاز مشاريع تعود على شخصي وعلى جهة جرجيس وشبابها ككلّ بالنّفع..
وفي ما تتمثّل هذه المشاريع؟
ـ بحكم دراستي الأكاديمية في جامعة «لينكون» المختصّة في التجارة الدولية لم ابتعد كثيرا عن هذا القطاع وانطلقت بالاستثمار في القطاع اللوجيستكي للنقل العالمي وكذلك التخزين والخدمات البترولية مع شركات عالمية، ومن هنا بدأت في صعود السلّم رويدا رويدا ووظّفت خبرتي في هذا المجال للنجاح في مشاريعي وهو مامكّنني من تنمية رأس مال شركتي والحفاظ على اسمي وسمعتي في السوق.
كمستثمر تونسي هل وجدت طريق المال والأعمال مفروشة بالورود أم بالعراقيل والأشواك في السوق التونسية؟
ـ أصارحكم القول انه بحكم انتمائي الجغرافي الى جرجيس، هذا الموقع الاستراتيجي الذي يمثّل فرصة لانطلاق الكثير من المستثمرين نحو آفاق أرحب بحكم انّ ميناء جرجيس يمثّل اقرب ميناء لمدن الجنوب التونسي وللمناطق الجنوبية على غرار الشقيقتين ليبيا والجزائر.
وهو ما جعلني كمستثمر تونسي أحلم بتوظيف هذا الموقع الاستراتيجي لتنمية أعمالي وبعث روح جديدة في المنطقة وتوفير مواطن شغل للشباب في ميناءجرجيس لكن هيهات..
نفهم انّك واجهت بعض العراقيل والاشكاليات؟
ـ نعم هناك اشكاليات ما فتئت تعترضنا منذ بداية حياتي العملية وأكبر هذه العوائق انّ ميناء جرجيس أصبح كلّ 3 أو 4 اشهر مسرحا للوقفات الاحتجاجية التي يتولّد عنها غلق الميناء لمدة شهر وهو مايجعل الناس تتوهّم انّ هناك حلولا في الأفق قبل ان يتجدّد السيناريو ذاته بعد 3 أو 4 اشهر أخرى لتبقى دار لقمان على حالها.
وما الهدف من هذه «الأدوية المسكّنة»؟
ـ الواقع ان هذا الموقع الاستراتيجي لم يكن معزّزا بحوكمة رشيدة تخطّط على المدى القريب والبعيد لما فيه مصلحة الجهة والمستثمرين، هذا فضلا على انّ هذا الموقع الاستراتيجي يفتقد الى شبكة لوجستيكية كاملة تتكون من خط بحري منتظم وآخر للسكة الحديدية واتفاقية مع البلدان المجاورة لتسهيل الاجراءات وهو ما يساهم آليا في نفور المستثمرين بحكم غياب الإحاطة ووسائل التشجيع.
لو تشخّص لنا الوضعية الحالية في ميناء جرجيس بأكثر دقّة؟
ـ ميناء جرجيس يعاني من غياب البنية التحتية والمعاهدات التي تيسّر ظروف العمل بين تونس والدول المجاورة، وايضا في غياب استراتيجية عمل واضحة لمدّة 10 سنوات اواكثر.
في كلمة، المستثمر الراغب في الاستثمار في ميناء جرجيس لن يجد الاّ الموقع الاستراتيجي، وانطلاقا من هذه النقائص أصبح ميناء جرجيس لايستعمل الاّ لتخزين المعدات الثقيلة للشركات التي تنشط في ليبيا والجزائر.
صحيح انّ هذه المشاريع تضخّ العملة الصعبة من وراء نشاط الترصيف والتسجيل وشركات النقل والتفريغ.. لكن طريقة استيعاب اليد العاملة لن يكون بالشكل المطلوب، فضلا عن كل ذلك أؤكّد ان 70 ٪ من المنطقة الحرة محجوز occupé والدليل انّك كمستثمر لماتطالب بالحصول على قطعة أرض لإقامة مشروع تأتيك الإجابة: «ما فمّاش أراضي» وهو ما يوحي للجميع انّ المشاكل لم يعد لها أثرا وانّ هناك مشاريع رأت النور، لكن الحقيقة غير ذلك وهو ما يعني انّ هذه الحلول الترقيعيّة لا تغني ولا تسمن من جوع..
تحدّثت سابقا عن الحوكمة الرشيدة، فما المقصود بذلك؟
ـ الحوكمة الرّشيدة هي سلطة الاشراف والدولة المطالبة بإيجاد حلول جذرية لميناء جرجيس والانتباه لمشاكله حتى ينتعش (أي الميناء) مثلما حصل أيّام الثورة الليبية.
وما دخل الثورة الليبية في مشاكل ميناء جرجيس؟
ـ أقصد بذلك انّ أيام الثورة الليبية وقع استعمال ميناء جرجيس كبوّابة للإغاثة ونزلت مئات الأطنان من الأدباش في ميناء جرجيس الذي استجاب وقتها لكلّ الطلبات وانتعشت السوق على غرار ما حصل ايضا ايام الحصار على ليبيا، حيث تجنّد شباب جرجيس لإحداث ثورة بالساعد والجهد في ميناء جرجيس في ذلك الوقت وكان مستعدّا (أي شباب جرجيس) ليواصل تحقيق أحلامه لكن الحوكمة الرّشيدة خذلته.
ألهذه الأسباب تولّدت الاحتجاجات؟
ـ الاحتجاجات والاضرابات هي وليدة احساس بـ«الغدرة» ينتاب شباب جرجيس الذي يتوهّم في كل مرّة انّ مشاكل الميناء دخلت طيّ التاريخ، لكن في لحظة يتلقى «صفعة» تعيده الى الواقع المرير ومن ثمة يعود إلى التعبير عن رفضه لهذا التجاهل من بوّابة الاضرابات والاعتصامات والوقفات الاحتجاجية لأنّ هناك طرف لم يعرب عن استعداده لمدّ يد المساعدة لشباب جرجيس ومينائها الموجود في موقع استراتيجي.
ومن هو هذا الطرف؟
ـ هذا الطرف يتمثل في السياسة المعتمدة من قبل الحكومات المتعاقبة التي لم تسع الى تحسين البنية التحتية في الميناء، وفي هذا لسياق اقول انّ ما يثير الاستغراب ـ مثلا ـ انّ ميناء جرجيس لايحتوي على رافعة مهمّتها انزال الحاويات او كما قلت آنفا خط بحري منتظم يوفر حلولا لوجيستكية للمستمثرين يتوهّم.. هذا من جهة ومن جهة اخرى اكشف أيضا ان بين مدينة جرجيس وبين المنطقة الحرة والميناء لاوجود لحافلة تنقل العمال الى الميناء أو بعد نهاية توقيت العمل الى منازلهم في أوقات منتظمة.
وهل من احترازات اخرى؟
ـ أنا كمستثمر ألوم السلط المسؤولة انها لم تسع لتقوية التعاقدات مع ليبيا والجزائر والقيام بترويج وتسويق للمنطقة الصناعية في جرجيس ومنح تسهيلات اكثر وتقلّل من المركزية التي ترهق المستمثر التونسي.
لو توضّح أكثر؟
ـ للأسف المستثمر في ميناء جرجيس في صورة ما رغب في الحصول على ترخيص أو وثيقة ديوانية ما عليه الاّ التنقّل الى ولاية مدنين او تونس العاصمة لتحقيق مراده.
ولم هذه التعطيلات؟
ـ فعلا هي اجراءات تعطيلية تكبّل المستمثر في جرجيس التي تتألف من 100 ألف ساكن وهو ما يتطلّب منح اكثر صلاحيات للمؤسسات والشركات الجهوية وكذلك تفعيل قوانين تسهّل المعاملات مع الدول المجاورة والحدّ من المركزية وتبسيط أدوات العمل حتى لا يدبّ اليأس بشكل نهائي في نفوس عديد المستثمرين من ابناء الجهة الذين صاروا يشكّون بأنّ مقاليد الحكم في جرجيس تفرزها القرارات من ولاية مدنين.
ألا نفهم من كلامك أنّك ترمز لتكريس الجهوية بين أبناء البلد الواحد؟
ـ أنا كشابّ تونسي مثقف ومستمثر يحلم بتذليل الصعاب من طريق شباب جهته لا أؤمن بالجهويات لأنّ تونس صدرها قادر على احتضان كلّ الشرائح والفئات، لكن هذا لا يمنعني من المطالبة بالعدل بين كل الجهات وبتشجيع الكفاءات التونسية مثلما هو الحال مع المستمثر الأجنبي.
وفي هذا السياق أسأل وأمرّ: هل يعقل انّ جرجيس يسكنها 100 ألف ساكن بها معتمدية واحدة؟
ولمن توجّه عتابك أيضا؟
ـ أوجّه عتابي بكلّ لطف إلى الجيل الذي أخذ وقته ويريد الاستيلاء على وقت الأجيال الشابة التي أقامت الثورة، بمعنى انّ اصحاب القرار من الجيل القديم ـ ليس في جرجيس فقط بل في كامل تراب الجمهورية ـ مازالوا يبحثون عن تموقعهم الجديد الذي يؤدي الى إفادة هذا الشباب والإحاطة بهم دون ان يكونوا هم اصحاب القرار.. لذلك انادي بمنح الثقة التامّة والمبادرات للشّباب حتى تعطي الثورة أكلها من الناحية الاقتصادية، كما أطالب بتطهير القطاع من الدّخلاء الذين يتكلّمون باسم الميناء والمنطقة الحرة بجرجيس والحال انهم لم يقدموا بعد حلولا جذرية تقضي على نقائص الميناء لأنهم يركّزون على تحقيق مصالحهم الضيّقة قبل كل شيء.
برأيك ما هي دوافع «الشوشرة» التي تحصل بين الفينة والأخرى في ميناء جرجيس؟
ـ احقاقا للحقّ كلّما حصلت «شوشرة» في الميناء الا وكانت وراءها مصالح شخصية ضيّقة ومصالح انتخابية وأشياء من هذا القبيل.
وكأنّك تلمّح الى وجود أطراف سياسية تحرّك «اللعبة» من وراء الستار؟
ـ نعم هناك أطراف سياسية و«ألاعيب» انتخابية ضحيّتها شباب جرجيس، هذا علاوة على انّه كلّما كانت هناك عملية انتخابية في الأفق يتمّ غلق ميناء جرجيس لمدّة شهر مثلما حصل في السّنتين الأخيرتين.
وهل انّ الميناء مغلق في هذه الفترة؟
ـ حاليا الوضعية «هي ـ هي» وأصحاب الشهائد العليا دخلوا في اعتصام في ميناء جرجيس والله أعلم ما ستفرزه الأيام القادمة.
ودائما في سياق مشاكل ميناء جرجيس أريد ان اسأل: هل يعقل انّ مستثمرا في شركة جرجيس لمّا يريد القيام بتحويل مالي الى الخارج ان يتنقّل 60 كلم للحصول علي ترخيص من القباضة المالية بمدنين؟.. هل يعقل انّ منافسي في الخارج يقوم بمثل هذه العمليات وهو جالس في مكتبه، ونحن كمستثمرين تونسيين في جرجيس نخسر الوقت ونعاني التعطيلات؟
وهل من حلول كفيلة بإعادة الحياة لميناء جرجيس؟
ـ بالنسبة لمنطقة جرجيس هي اقرب ميناء لمناطق «حسّي مسعود» الجزائرية التي تعدّ من أهمّ البلدان الافريقية التي لها انشطة بترولية وهي الأقرب ايضا لـ«زنتان» في ليبيا دون الحديث عن التشاد ومالي.
وفي هذا الإطار اقول انّ توظيف هذه المنطقة الاستراتيجية لخلق التنمية في الجنوب ليس بالشيء المستحيل، اذا ما توفّرت العزيمة الصادقة لدى المسؤولين في الجهة وفي الدولة.
كما اعترف أنّ المنطقة الحرّة بجرجيس لايمكن ان يستثمر في أراضيها الاّ الشركات الأجنبية، أما الباعث التونسي فلا حقّ له ويتمّ حرمانه من هذه الميزة ومن ثمة لن يتحقق الازدهار والنمو المطلوبان في الجنوب التونسي...
وهنا ادعو اصحاب الشأن بخلق المعادلة بين المستثمر الأجنبي ونظيره التونسي وتشجيع الطرفين.
وهل يمكن أن تتجسّد هذه المعادلة على أرض الواقع؟
ـ دعني احيطكم علما انّ الشركة التابعة لمجلة المحروقات والراعية لمشروع «غاز الجنوب» الذي سيمتد على 300 كلم لمدة 4 سنوات منذ 3 اشهر تقدّمت بمطلب للسلط المعنية للحصول على ارض محاذية لميناء جرجيس لتكون نقطة ربط بين قابس وتطاوين، لكن لأسباب تافهة وقعت عرقلتها وتعطيل الملف وذلك من وراء سياسة الرّوتين الاداري بين الإدارة العامة بتونس ومدنين وجرجيس.
ولماذا هذا التعطيل الذي يؤدي إلى حرمان شباب جرجيس؟
ـ لأنّ هناك اداريين مكبّلين بقوانين ولّى عليها الدهر وشرب وكذلك لغياب الجرأة عند الإداريين ذاتهم رغم يقينهم انّ مثل مشروع «غاز الجنوب» فيه منافع بالجملة على الجهة.
من جهة أخرى اعترف اني كمستثمر جلبت الى المنطقة الحرّة بجرجيس ثلاث شركات من الصين والإمارات للإستثمار في المنطقة الحرة وكنت سفيرا للتنمية في جرجيس وأنا مرتاح الضمير ناهيك انني كنت وسيطا لجلب شركتين عالميتين هما بصدد مزاولة نشاطهما حاليا.
هل من حلّ لمقاومة الروتين الإداري؟
ـ لابدّ من بعث مركز في جرجيس مهمّته التنسيق مع المنطقة الحرّة ووزارة الصناعة والديوانة التونسية ويكون مستقل الصلاحيات ويمنح الفرصة للمستثمرين الأجانب بالحصول على أراض في المنطقة الحرّة وهي الفرصة نفسها التي يجب ان يحظى بها المستثمرون التونسيون، كما يجب ان تكون عند هذا المركز الصلاحيات في النظم الديوانية وتوفر الإجابة الكاملة على كلّ التساؤلات التي تخامر ذهن هذا المستثمر وتقضي أيضا على «البيروقراطية» وتقدّم للمستثمرين الحلول اللازمة في أسرع الأوقات من أجل انقاذ ميناء جرجيس من مشاكله العميقة، هذا فضلا عن احداث منظومة كاملة تربط بين النقل الجوي والبحري والبري مع احداث خطّ تجاري بين ميناء جرجيس وإحدى الدول الأوروبية واحداث بنية تحتية في نقل سكة الحديد كما أدعو الى مراجعة اسعار كراء الأراضي في المنطقة الحرة.
في كلمة أقول ان الكرة حاليا في شباك الدولة وما عليها إلاّ تحمّل مسؤولياتها كاملة تجاه ميناء جرجيس وشبابها المهمّش. انّ الدولة مطالبة بمراجعة قراراتها الخاطئة والتعامل مع ملفّ ميناء جرجيس بكل صدق وجدّية حتى لا يبقى التركيز كليا على خدمات الملح الذي يبقى ملفّه بمثابة نقطة الاستفهام، وحتى يعرف أهالي الجهة هل انّ المنطقة الحرّة هي شركة خاصّة ام عمومية؟ وهل ان بلدية جرجيس عندها منفعة في المنطقة الحرة ام لا؟.. وما هي مداخليها؟ وهل انّ الدولة شريك في المنطقة الحرّة أم لا؟ صراحة ان هذا الغموض يدمّر الأعصاب ولا بدّ من «تفريك الرمّانة» وتوضيح كل التساؤلات التي تخصّ مدينة جرجيس التي اصبحت أيضا مرتعا للفئران التي تتجوّل كالقطط في الشوارع وبلديةالمكان لاتستطيع ان تفعل شيئا لأنّها لاتمتلك الموارد التي تخوّل لها مداواة هذه الفئران رغم انّ جرجيس عندها السياحة والبترول وزيت الزيتون والصيد البحري.
حاوره: الصحبي بكار